التحول الثقافي في المملكة: من إدارة المطبوعات إلى وزارة الثقافة
(ينشر بمناسبة مرور سبعة أعوام على إنشاء الوزارة)
#نسمة_ثقافة
في عام ١٣٤٤هـ، أُنشِئت في الحجاز "إدارة المطبوعات"، كأول كيان رسمي معني بالشأن الثقافي في المملكة، أي قبل ستة وتسعين عامًا من تأسيس الوزارة (١٤٤٠هـ).
كان ذلك قبل ظهور مصطلح "الثقافة" في الخطاب العربي الحديث، والذي سكَّه المفكر المصري سلامة موسى في فبراير ١٩٢٧م، متأثرًا بالفكر الأوروبي ومستنيرًا بمفهوم ابن خلدون. منذ ذلك الحين، بدأ التكوين المؤسسي للثقافة العربية المعاصرة يتخذ ملامحه، فأقرّت جامعة الدول العربية مشروع "المعاهدة الثقافية" عام ١٩٤٥م، وباشرت "اللجنة الثقافية" عملها في أوائل ١٩٤٦م، وأنشأت مصر أول وزارة ثقافة عام ١٩٥٨م، وتأسست "منظمة الألكسو" عام ١٩٧٠م.
في السعودية، كانت الثقافة تُمارس من خلال مؤسسات الدولة دون أن تُصاغ كمفهوم مستقل من خلال إدارات تُعنى بالمطبوعات والتعليم والمكتبات، مكوِّنة بنية ثقافية صامتة،
حتى إنشاء "الرئاسة العامة لرعاية الشباب" عام ١٣٩٤هـ / ١٩٧٤م، معها انتقلت الثقافة في السعودية إلى مرحلة تنظيمية أوسع، حيث تولّت الرئاسة مسؤولية العمل الثقافي والفني على مستوى وطني شامل.
تحت مظلتها نشأت إدارات معنية بالأدب والفنون، وأُسّست الأندية الأدبية، لتكون منصات للمحاضرات والندوات الثقافية. كما دعمت الرئاسة المكتبات، وأطلقت أنشطة لتشجيع القراءة، فضلًا عن دورها البارز في دعم الموسيقى والفنون الشعبية، وأنشطتها الخارجية في الأسابيع الثقافية.
بعد هذه الحقبة، بدأت "وزارة الإعلام" تمارس أدوارًا متزايدة في إدارة الشأن الثقافي، فأُنشئت فيها إدارات معنية بالمكتبات والتراث والفنون، لتصبح الوزارة الجهة المعنية بالنشاط الثقافي في المملكة.
وفي عام ٢٠٠٣م، أُضيفت الثقافة رسميًا مع الإعلام، وأُعلن عن إنشاء "وزارة الثقافة والإعلام"، لتجمع في هيكلها الإداري كل المهام المرتبطة بالقطاع الثقافي، من المكتبات والأندية الأدبية، إلى النشاط المسرحي والمهرجانات الثقافية. وتوسع أعمالها بإنشاء وكالة للشؤون الثقافية.
ورغم هذا الدمج، ظل الحقل الثقافي مبعثرًا بين عدة جهات، حتى جاء الثاني من يونيو ٢٠١٨م، لتستقل الثقافة بوزارة خاصة بها، إيذانًا بمرحلة جديدة من التخصص والتمكين.
تميزت مرحلة الوزارة باعتمادها تعريف اليونسكو للثقافة (١٩٨٢م)، والذي يتضمن دخول "الفنون والآداب وطرق الحياة ونظم القيم والتقاليد". هذا التعريف، أتاح للوزارة أن تضم تحت مظلتها قطاعات متنوعة، مثل الفنون، والأزياء، والطهي، والموسيقى، وغيرها، مما يعكس فهمًا شاملًا للثقافة يتجاوز المفهوم التقليدي الذي يقتصر على الأدب والفكر.
مضت سبعة أعوام منذ تأسيس وزارة الثقافة، تم فيها تشريع عشرات الأنظمة والسياسات، وأُقيمت فيها مئات الفعاليات والمهرجانات الثقافية في مختلف مناطق المملكة، حضرها ملايين المواطنين والمقيمين والزوّار، لتتحوّل الثقافة إلى واقع معاش.
كما تمت ترجمة مئات الكتب إلى العربية، وتعزيز حضور المؤلف السعودي في معارض العالم، وظهور أسماء جديدة في الأدب والفنون والموسيقى والتصميم.
على مدى هذه الأعوام، كانت الثقافة في المملكة تُعيد اكتشاف ذاتها، لا بالحنين إلى الماضي أو القطيعة معه، ولا بالذوبان في الثقافات المعاصرة أو إنكارها، بل بنسج طريق خاص، تمضي فيه متشبثة بجذورها، ومستفيدة من واقعها، ومنفتحة على العالم من موقع المتصدِّر، لا التابع.
وسنكمل...
لا لنقف عند ما تحقق، بل لنواصل بناء ما لم يُكتب بعد !
فثقافتنا فعل مستمر، نَحيكها للعالم بخيوط الانتماء والصدق والعطاء.
تعليقات
إرسال تعليق