في أروقة دار الكتب الوطنية بتونس، وقفتُ منتشيًا أمام معرض استثنائي يحمل عنوان "القرآن في عيون الآخرين". هو ثمرة مشروع بحثي عابر للحدود الجغرافية، يُجسّد تلاقحًا خلاقًا بين المجلس الأوروبي للبحث العلمي من جهة، ومؤسسات تونسية موغلة في عراقتها من جهة أخرى. يكفي أن نعلم أن دار الكتب التونسية تأسست عام ١٨٨٥م في العصر الملكي، وضم إليها في العصر الجمهوري أكثر من ٤٥ ألف مخطوط.
هذا المعرض يُعدُّ أحد تجليات مشروع "القرآن الأوروبي"، الذي انطلق في جامعة نانت، ويهدف إلى استكشاف تمثّلات القرآن الكريم في السياقات الأوروبية، منذ القرن الثاني عشر حتى القرن الثامن عشر. المشروع لا يكتفي بإعادة قراءة النص القرآني من منظور الاستشراق الكلاسيكي، بل يفتح المجال أمام تحليل الأثر الثقافي والديني الذي مارسه القرآن الكريم في المجال الأوروبي.
بين أروقة المعرض استُعيدت قصة حملة الإمبراطور كارل الخامس، التي لم تكن مجرد حملة عسكرية على مدينة تونس عام ١٥٣٥م، بل كانت عملية نهب لأصولنا التراثية، جُرِّدت فيها خزائن المخطوطات من محتواها، وسرقت المصاحف المحبّسة على المساجد والزوايا، وقُدِّرَتْ المسلوبات بأكثر من ٢٠٠ مخطوط قرآني وتراثي انتقلت إلى ومدريد وباريس والفاتيكان وغيرها.
وقد أولت الباحثة الألمانية الدكتورة لورا هينريخسن عناية فائقة لهذا الحدث، فشرعت في مشروع توثيقي دقيق لحصر هذه المخطوطات وتتبع مصيرها في المكتبات الأوروبية، في محاولة لإعادة رسم خريطة الذاكرة المسلوبة. وقد أثمرت جهودها عن إصدار علمي بعنوان "المكتبات المفقودة في تونس: ثقافة الكتاب في إفريقية الحفصية والمخطوطات العربية في أوروبا بعد نهب تونس (١٥٣٥م)"، مما ساهم في ترميم صورة المشهد الثقافي التونسي في العصر الحفصي.
يستحق المعرض الوقوف على محطات ومواد كثيرة، أهمها تونسيًا، ثلاث فرائد:
١/ أقدم رق قرآني تحتفظ به تونس (القرن ٢هـ/ ٨م):
وهو رقّ نادر من سورة المائدة، كُتب بالحبر الأسود بالخط الحجازي/المدني، يختلف عن الخط القيرواني -تطور عنه- الذي اُشتهرت به تونس لاحقًا.
٢/ مصحف فضل (٢٩٥هـ / ٩٠٧م):
مكتوب بخط كوفي قيرواني، وهو واحد من أجمل المخطوطات العربية التي تدمج بين الزخرفة الهندسية والنباتية. والأكثر تميّزًا أن من كتبه امرأة تُدعى فضل مولاة محمد بن أيوب، ما يجعله شاهدًا على إسهام المرأة في صناعة المخطوطات في القرن الثالث الهجري.
٣/ مصحف ابن غطوس (٥٥٨هـ/١١٦٣م):
من المصاحف الأندلسية المذهلة في جمالها ودقتها، ونظام تلوين خاص لتوجيه التلاوة. ينسب إلى الخطاط الشهير ابن غطوس، وله نسخة أخرى محفوظة في دار الكتب المصرية.
خرجت من المعرض فخورًا بالذاكرة التونسية العربية التي لا تصالح على نهب تراثها ولو بعد قرون! تونس التي احتضنت القيروان، أولى العواصم الفكرية في الغرب الإسلامي، وواصلت حفظ تراثها من خلال مؤسسات حديثة، على رأسها دار الكتب الوطنية والمخبر الوطني لترميم وحفظ المخطوطات برقّادة.
في الختام، أشكر سعادة مدير عام التراث بوزارة الثقافة التونسية السيدة الفاضلة أ.شيراز سعيد على تجسير العقبات، وتمهيد الزيارة للمعرض، والحق أنني ارهقتها كثيرًا في وقت إجازتها، فلها الشكر الوافر، ولأستاذي أ.د.إدهام حنش الذي وصلني بها، وهو واسطة كل خير.
كما أتقدم بجزيل العرفان لإدارة الدار، ممثلة في مديرها العام أ.د. خالد كشير، وكاتبها العام أ. نزار كحيلة. والشكر موصول لمديرة المجموعات الخاصة أ. هاجر الساحلي، ومن قسم المخطوطات أ. حياة العبدلي على شرحهما الوافي.
هذا المعرض يُعدُّ أحد تجليات مشروع "القرآن الأوروبي"، الذي انطلق في جامعة نانت، ويهدف إلى استكشاف تمثّلات القرآن الكريم في السياقات الأوروبية، منذ القرن الثاني عشر حتى القرن الثامن عشر. المشروع لا يكتفي بإعادة قراءة النص القرآني من منظور الاستشراق الكلاسيكي، بل يفتح المجال أمام تحليل الأثر الثقافي والديني الذي مارسه القرآن الكريم في المجال الأوروبي.
بين أروقة المعرض استُعيدت قصة حملة الإمبراطور كارل الخامس، التي لم تكن مجرد حملة عسكرية على مدينة تونس عام ١٥٣٥م، بل كانت عملية نهب لأصولنا التراثية، جُرِّدت فيها خزائن المخطوطات من محتواها، وسرقت المصاحف المحبّسة على المساجد والزوايا، وقُدِّرَتْ المسلوبات بأكثر من ٢٠٠ مخطوط قرآني وتراثي انتقلت إلى ومدريد وباريس والفاتيكان وغيرها.
وقد أولت الباحثة الألمانية الدكتورة لورا هينريخسن عناية فائقة لهذا الحدث، فشرعت في مشروع توثيقي دقيق لحصر هذه المخطوطات وتتبع مصيرها في المكتبات الأوروبية، في محاولة لإعادة رسم خريطة الذاكرة المسلوبة. وقد أثمرت جهودها عن إصدار علمي بعنوان "المكتبات المفقودة في تونس: ثقافة الكتاب في إفريقية الحفصية والمخطوطات العربية في أوروبا بعد نهب تونس (١٥٣٥م)"، مما ساهم في ترميم صورة المشهد الثقافي التونسي في العصر الحفصي.
يستحق المعرض الوقوف على محطات ومواد كثيرة، أهمها تونسيًا، ثلاث فرائد:
١/ أقدم رق قرآني تحتفظ به تونس (القرن ٢هـ/ ٨م):
وهو رقّ نادر من سورة المائدة، كُتب بالحبر الأسود بالخط الحجازي/المدني، يختلف عن الخط القيرواني -تطور عنه- الذي اُشتهرت به تونس لاحقًا.
٢/ مصحف فضل (٢٩٥هـ / ٩٠٧م):
مكتوب بخط كوفي قيرواني، وهو واحد من أجمل المخطوطات العربية التي تدمج بين الزخرفة الهندسية والنباتية. والأكثر تميّزًا أن من كتبه امرأة تُدعى فضل مولاة محمد بن أيوب، ما يجعله شاهدًا على إسهام المرأة في صناعة المخطوطات في القرن الثالث الهجري.
٣/ مصحف ابن غطوس (٥٥٨هـ/١١٦٣م):
من المصاحف الأندلسية المذهلة في جمالها ودقتها، ونظام تلوين خاص لتوجيه التلاوة. ينسب إلى الخطاط الشهير ابن غطوس، وله نسخة أخرى محفوظة في دار الكتب المصرية.
خرجت من المعرض فخورًا بالذاكرة التونسية العربية التي لا تصالح على نهب تراثها ولو بعد قرون! تونس التي احتضنت القيروان، أولى العواصم الفكرية في الغرب الإسلامي، وواصلت حفظ تراثها من خلال مؤسسات حديثة، على رأسها دار الكتب الوطنية والمخبر الوطني لترميم وحفظ المخطوطات برقّادة.
في الختام، أشكر سعادة مدير عام التراث بوزارة الثقافة التونسية السيدة الفاضلة أ.شيراز سعيد على تجسير العقبات، وتمهيد الزيارة للمعرض، والحق أنني ارهقتها كثيرًا في وقت إجازتها، فلها الشكر الوافر، ولأستاذي أ.د.إدهام حنش الذي وصلني بها، وهو واسطة كل خير.
كما أتقدم بجزيل العرفان لإدارة الدار، ممثلة في مديرها العام أ.د. خالد كشير، وكاتبها العام أ. نزار كحيلة. والشكر موصول لمديرة المجموعات الخاصة أ. هاجر الساحلي، ومن قسم المخطوطات أ. حياة العبدلي على شرحهما الوافي.
تعليقات
إرسال تعليق