حين أُعلن عن افتتاح مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء" في مطلع ديسمبر من عام 2016م، كان الخبر وحده كافيًا لإثارة فضول أي مثقف سعودي.
لم يكن المركز بالنسبة لي مجرد مبنى ثقافي جديد، بل امتدادًا لمسار ثقافي قديم كنت أتابعه منذ سنوات، بدأ حين عرفنا "أرامكو" بوصفها جهة ذات أرشيف معرفي غني، زاخر بالوثائق والدوريات، ومجلة رائدة هي "القافلة"، التي كانت الأولى في المملكة من حيث الطباعة الملونة والصور، وقد صدرت في عهد الملك المؤسس عام 1953م، إلى جانب معرض الطاقة الشهير الذي اُفتتح عام 1963م، وكان من أوائل المشاريع التثقيفية في المنطقة، والأقدم سعوديًا. مع تجاوزنا -بوعي- لبعض الفترات الحرجة.
لكن لم تتح لي فرصة الزيارة إلا بعد ثلاث سنوات من الافتتاح.
وحين دخلتها، وجدت مكتبة أنيقة التصميم، مشرقة الإضاءة، تفيض بالجِدّة، وفيها من الكتب الحديثة والفكرية ما يعكس وعيًا في الاختيار، وأفقًا واسعًا غير مؤدلج.
ورغم هذا الإعجاب، شعرت أن المكتبة، بكل ما فيها، كانت تنقصها ثلاثة عناصر أساسية تجعل منها مكتبة متحفية مكتملة، على غرار كبريات مكتبات المتاحف الثقافية في العالم:
أولها: غياب قسم نوادر المطبوعات، وهو ركيزة أساسية في أي مكتبة ذات طابع متحفي، ويمثّل موردًا مهمًا للباحثين، ورافدًا غنيًا للمعارض الدائمة والمؤقتة في المركز، بما لا يقل عن ألفي عنوان صدرت قبل عام 1950م.
إن وجود هذا القسم يضفي بُعدًا تاريخيًا على المكتبة، ويجسّد مرحلة انتقالية بالغة الأهمية في الثقافة العربية: مرحلة الطباعة بعد عصور الكتاب المخطوط.
ثانيها: عدم توفر قسم للدوريات القديمة، التي تشكّل سجلًّا حيًّا للحركة الفكرية في العالم العربي منذ عام 1828م.
فهذه المجلات والصحف ليست فقط مادة مرجعية، بل هي وثائق اجتماعية وثقافية للمنطقة، تحمل لغة عصرها، وجدالاته، وتحولاته.
ثالثها: غياب تنوع الطبعات، إذ غلب على محتوى المكتبة الطابع الحديث من حيث النشر والإخراج (ما بعد 2010م)، وهو ما أفقد التجربة بعضًا من التوازن بين الكلاسيكي والمعاصر، بين التراثي والمواكب.
كنت أرجو أن أجد طبعات أولى، وطبعات محققة نوعية، وطبعات رائدة كطبعات دار الكتب المصرية.
ورغم هذه الملاحظات، فإن تجربتي مع مكتبة إثراء تظل -في تقديري- الأفضل سعوديًا من حيث البنية، والتصميم، والخدمة، ومحتوى الكتاب الحديث.
وأحسب أن مكتبة محمد بن راشد في دبي، بما تحمله من تميز، قد جاءت على منوالها، واستفادت من تجربتها من حيث المفهوم وطبيعة الفضاء العام للقراءة، مع تفرد في مدّخراتها ودورياتها.
تعليقات
إرسال تعليق