خمسمئة عام من الطباعة بالحرف العربي: متى يعقد أول مؤتمر دولي عن الكتب العربية النادرة ؟
منذ أكثر من خمسة قرون، بدأ الحرف العربي في الظهور ضمن تجارب الطباعة الألمانية، حيث ظهرت في جدول يوضح أشكالها سنة ١٤٨٦م، في كتاب برَيدِنبَاخ "رحلة إلى الاراضي المقدسة". أما أول كتاب عربي بالكامل، فقد طُبع في مدينة فانو الإيطالية سنة ١٥١٤م بعنوان "كتاب صلاة السواعي" في ١٢٠ صفحة، وهو كتاب ديني أُعدّ لنشره على مسيحيي المشرق.
بعد ذلك بنحو عقدين (١٥٣٧ أو ١٥٣٨م)، طُبع أول مصحف كامل بالحرف العربي بمدينة البندقية. لم يبقَ منه سوى نسخة واحدة اُكتشفت حديثًا بالمصادفة في مكتبة دير سانت ميشيل. ونجحت الدبلوماسية الثقافية السعودية بالحصول على نسخة مصورة وحيدة محفوظة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، بفضل مساعي الأمير تركي الفيصل والدكتور يحيى بن جنيد.
ابتداءً من سنة ١٥٩٢م، ستظهر أولى المطبوعات العلمية العربية في أوروبا في الجغرافيا والطب والفلسفة والهندسة، فضلًا عن النحو والصرف، فطبعت "نزهة المشتاق" للإدريسي، و"القانون في الطب"، و"النجاة" لابن سينا، و"تحرير أصول أقليدس"، و"الآجرومية". وكلها تتوفر منها نسخ في المكتبات السعودية عدا "أصول أقليدس" حسَب حدود علمي.
لم تدخل الطباعة العربية إلى المشرق إلا بعد نحو قرن ونصف، حيث أُنشئت أول مطبعة عربية في حلب سنة ١٧٣١م، بإدارة الشمّاس عبدالله الزاخر، وكانت مطبعة دينية لا تزال كامل أجزائها محفوظة إلى اليوم. سبقتها بقليل مطبعة إبراهيم متفرقة في إسطنبول سنة ١٧٢٧م. وتتوفر كامل مطبوعاته العربية أو أغلبها في مكتبة الملك فهد الوطنية.
أما في مصر، فقد أُسّست أول مطبعة سنة ١٨٢٢م (مطبعة بولاق)، وطبع أول كتابين فيها في ديسمبر من ذات العام، لتكون بذلك أول مطبعة حكومية حديثة تُعنى بطباعة المؤلفات العلمية والتراثية والقانونية باللغة العربية. ونفخر باقتناء مركز الملك فيصل أحد هذين الكتابين، وهو "قانون الصباغة في صناعة صباغة الحرير" للعلامة الإيطالي ماكيرو، بترجمة القس الحلبي روفائيل زخورة.
أما في بلادنا العزيزة، فكانت أول مطبعة في مكة المكرمة سنة ١٨٨٣م (المطبعة الميرية)، وعنيت بالكتب الدينية، وبعد دخول الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- تحولت لمسمى "مطبعة أم القرى" سنة ١٩٢٤م.
نقول، رغم وجود أكثر من ٥٠٠٠ كتاب عربي أو متضمن حروف عربية قبل سنة ١٩٢٥م، إلا أنه لا توجد إلى اليوم قاعدة بيانات عربية جامعة لها، ولا أرشفة موثّقة لأغلفتها ومطابعها وتواريخ طباعتها، ولا دراسات تتبعت تطوّر الحرف العربي فيها، ولا موقع إلكتروني جامع لها، ولا مؤتمر دولي عقد عنها !
من هذا المنطلق، نكرر دعوتنا لإقامة أول مؤتمر دولي في العالم العربي يعنى بنوادر المطبوعات، مؤتمر يضم ممثلين عن المكتبات الوطنية والعامة، وعن أقسام المكتبات والمعلومات. تُقدّم فيه أوراق علمية تتناول الموضوع من زوايا متنوعة، من بينها: مفهوم المطبوع النادر، مسارات الطباعة المبكرة، فهارس الكتب النادرة، أنواع الورق والحبر، والخصائص الطباعية للحرف العربي، إضافة إلى أثر المطبوعات في بناء الوعي الاجتماعي في المراحل الانتقالية.
يمكن أن يشمل المؤتمر ورشًا للتصنيف، ووضع معايير للمطبوع النادر، ومعرضًا توثيقيًا لأندر النماذج، ونقاشًا حول "إنشاء قاعدة بيانات عربية مشتركة" لنوادر الكتب المطبوعة.
هذه دعوة مفتوحة لجميع المؤسسات الثقافية المعنية في العالم العربي، بوصفها محاولة أولية لاستعادة أهمية التراث الثقافي العربي، على أمل أن يتحقق حلم إنشاء أول "متحف عربي لنوادر المطبوعات"! وما ذلك على الله بعزيز.
تعليقات
إرسال تعليق