العناية الملكية السعودية بالمخطوطات العربية
اعتنى حكام الدولة السعودية الأولى منذ زمن التأسيس بالدرعية بجمع المخطوطات واستجلابها من الأمصار العربية والإسلامية، فإذا كان مجموع ما نقُل خارج نجد من الغازي العثماني يبلغ أكثر من ألف مخطوط، فهذا يعني أن الدرعية وحدها يتجاوز عدد مخطوطاتها ضعف العدد المنقول، جمعت في مدة وجيزة بالنظر لموقع الدرعية الجغرافي وظروف ذلك الزمن.
وبعد نحو ١٣٠ عامًا من سقوط الدرعية، يوقع حفيد أئمة الدولة السعودية جلالة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ميثاق إنشاء جامعة الدول العربية لينهي نزاعات التاريخ السياسية، ويفتح أفق الوحدة الثقافية العربية بتأسيس أول جهاز ثقافي بجامعة الدول العربية "معهد إحياء المخطوطات" في الرابع من أبريل عام ١٩٤٦م، ليقوم المعهد بأولى بعثاته لتصوير المخطوطات العربية في سوريا عام ١٩٤٧م ويسير على هذا النهج منذ نحو ٨٠ عامًا حتى العام الفائت (٢٠٢٣م) في تصوير مخطوطات مكتبات موريتانيا، تخللها ثلاث بعثات لتصوير المخطوطات في المملكة العربية السعودية في عهد الملك سعود عام ١٩٥٥م، وفي عهد الملك فيصل عام ١٩٧٣م وتسمّى "أم البعثات" لأن المعهد استطاع زيارة ٢٢ مكتبة سعودية وتصوير ٤٢٨ مخطوطة، والزيارة الأخيرة في نهاية عهد الملك خالد عام ١٩٨٢م.
وبلغت العناية الملكية السعودية بالمخطوطات قمتها في عهد الملك فهد، ففي عهده تأسست المكتبة الوطنية الحالية، وتوسعت الجامعات والمراكز في اقتناء المخطوطات، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنّ عدد المخطوطات تضاعف ثلاث مرات في عهده رحمه الله، فضلاً عن جهود ابنه الراحل الأمير فيصل بن فهد في تصوير مخطوطات جامعة برينستون لصالح المكتبة الوطنية عام ١٩٩٣م.
ويطول الحديث عن جهود الملك عبدالله في العناية بالمخطوطات، ويكفي أن نشير إلى أن رصيد مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من المخطوطات (+٧٠٠٠) كان بفضل الله ثم بإيمانه بأهمية جمع المخطوطات، وكان داعمًا حقيقياً لتحقيق التراث العربي، وفي سبيل ذلك دعم منظمة الأليكسو بمبالغ سخية جدًا، وأرخص الأموال لاقتناء أنفس المخطوطات العربية كمخطوطة "أصول الخيل العربية" المنسوبة لعباس باشا.
كان الملك سلمان -أطال الله عمره- المثقف الدافع لإصدار "نظام حماية التراث المخطوط في المملكة العربية السعودية" عام ٢٠٠١م، والذي نتج عنه تصوير عشرات الآلاف من المخطوطات العامة والخاصة، وزوّد سموه -حينها- دارة الملك عبدالعزيز بآلاف المخطوطات بعد ما كانت قبل عهده بضع عشرات، ومن حسن الوفاء ما قام به مجمعه الملكي اللغوي "مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية" بتكريم "معهد المخطوطات العربية" نظير خدمة المعهد للتراث العربي المخطوط جمعًا وحفظًا وترميماً وإتاحةً ونشرًا يوم الأحد الماضي، كأول جائزة يحصل عليها المعهد محليًا وخليجيًا.
اليوم، وفي ظل رؤية سمو سيدي الأمير محمد بن سلمان الطموحة، تفتح
هيئات_المكتبات بوزارة الثقافة أبوابها للزائرين لاستكشاف جزء يسير من روائع المخطوطات السعودية عبر القرون الماضية بمعرضها الحالي في الدرعية.
فهنيئاً لنا بحكامنا الذين أدنو لنا مصادر المعرفة التراثية بما يزيد على ٣٠٠ ألف مخطوط أصلي ومصور تصويرًا شرعيًا بالمملكة العربية السعودية كثاني أضخم دولة عربية تملك رصيدًا من المخطوطات الإسلامية، والأسرع جمعًا في الدول العربية والإسلامية في القرنين العشرين والحادي والعشرين.
وقد تفضل علي معهد_المخطوطات_العربية بنشر المقالة -بعد تطويرها- في موقعهم، فلهم مني كل الشكر والتقدير.
تعليقات
إرسال تعليق