قراءة في محاضرة حمزة شحاته "الرجولة عماد الخلق الفاضل"
تُعد محاضرة الأديب الراحل حمزة شحاته
(1910-1971م) أشهر محاضرة أدبية/ فلسفية في النصف الأول من القرن العشرين في
الجزيرة العربية. وهذا الأسلوب في الطرح (محاضرة، خطبة)، كان تقليدًا ثقافيًا درج
عليه رجال النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في بيروت، وبعد ذلك
في مدن المشرق؛ القدس ودمشق والقاهرة، فكان الأديب يلقي خطبته المكتوبة في المدارس
أو الجمعيات أو الأندية ثم تنشر كاملة أو مقتطفات منها في المجلات الفكرية السائرة،
كالمقتطف والهلال والمشرق.
وكان شحاته يسلك هذا التقليد، فقد
نشر نص خطبته عن "الثورة الفكرية ونصيب مدارسنا منها" في جريدة
صوت الحجاز، والتي أُلقيت في الحفل السنوي لـمدرسة الفلاح بجدة. وكان
تقليد نشر نصوص المحاضرات والخطب أو مقتطفات منها جاريًا كذلك في جريدة أم
القرى، فقد نشرت عددًا كبيرًا من المحاضرات الملقاة في "جمعية الإسعاف
الخيري" بمكة المكرمة، ومحاضرات حفلات "الشباب العربي السعودي
المتعلم" بالمدينة المنورة.
ومن المؤسف أنَّ شحاته امتنع عن
نشر نص محاضرته أو ملخص عنها في الصحف المحلية، أو في كتاب مستقل رغم محاولة جمهور أدباء الحجاز إقناعه بنشرها،
حتى بعد مغادرته البلاد واستقراره في القاهرة. ولم تنشر إلا بعد وفاته بنحو عقد
(1981م)؛ أي بعد واحد وثلاثين عامًا من إلقائها، ولذلك لم تنشط الكتابات النقدية عنها
إلا بعد ذلك.
ورغبة في استكمال هذه المراجعات النقدية
على المحاضرة، أخذنا في تحقيق المصادر الفلسفية التي اتَّكأ عليها شحاته في
محاضرته، لا سيَّما أنَّه "كان من القلائل الذين لا يرضون لأنفسهم أو
لأعمالهم أن تلمع فيها بارقة اقتباس أو تأثُّر أو تقليد". وقد أفاد معاصرو
شحاته -وخصوصًا عزيز ضياء- ببعض المصادر التي طَبعت مسيرته الأدبية والفكرية،
وشكَّلت ميوله الفلسفية. وهي المصادر التي سنفحصها لبحث أوجه التشابه والاختلاف بينها
وبين محاضرته "الرجولة عماد الخلق الفاضل"، ونُضيف إليها عددًا
جديدًا من المصادر التي نُرجِّح إفادة شحاته منها.
وبعد ذلك نُعرِج على أبرز مضامين
المحاضرة؛ لنؤكد على وحدتها الموضوعية ونسقها الفلسفي، عدا بعض الفقرات الـمُشكِلة،
والتي فتحت باب التأويل بمصراعيه للباحثين.
ولد حمزة
شحاته في مكة المكرمة عام (1328هـ/ 1910م). أي قبل دخولها للحكم السعودي بأربعة
عشر عامًا (1924م)، بينما ترجِّح ابنته شيرين أنه وُلد قبل ذلك بست أعوام
(1904م). ونرى أن الرأي الأول أدق؛ لكونه رأي صديقه المعاصر عزيز ضياء،
الذي وُلد عام 1914م، ويميز الفارق العمري بينهما.
نشأ شحاته
وترعرع في مدينة جدة، ودرس في مدرسة الفلاح الشهيرة، المؤسسة عام 1904م على
يد الوجيه محمد علي رضا زينل (ت1969م). وكانت من أوائل المدارس النظامية في
الحجاز، وتخرج منها جمهرة من الأدباء والوجهاء، منهم: أحمد قنديل، وعبدالوهاب
آشي، ومحمد حسن فقي، وعمر عرب، وهشام
ناظر وغيرهم.
وبعد
تخرجه سافر للعمل في "بيت زينل" بمدينة بومباي لمدة عشر سنوات،
ولا نجد في مذكرات معاصريه أو ذكرياته الشخصية حديثًا عن هذه الفترة. ويبدو أنَّ
شحاته كان منقطعًا فيها للتكوين الأدبي التراثي؛ كونه لم يتعلم اللغة الهندية ولا
الإنجليزية هناك، ما يوحي بعزوفه عن ذلك، وانقطاعه للقراءة في التراث العربي.
حين
عاد إلى الحجاز عمل في عدة وظائف إدارية. ونشر أول مقالة له في جريدة صوت الحجاز -حديثة النشأة- في عددها الثامن بعنوان "الأزمة"،
وكانت توافق بداية ما عُرف بـ"تمرد ابن رفادة" وهي محاولة تمرد
وخروج مسلَّح، جرت شمال المملكة، وقضى عليها الملك عبدالعزيز (يرحمه الله).
وتورَّط شحاته ونفر من شباب الحجاز في الترويج لها، منهم محرر جريدة صوت الحجاز عبدالوهاب
آشي، وإبراهيم دباغ، وحسن عواد وغيرهم، ما استدعى إيقافهم ونفيهم لداخلية نجد،
وسجنهم نحو ستة أشهر.
وبعد
إطلاق سراحه، عاد شحاته لكتابة مقالاته (غير المنتظمة). وخلال الفترة (1932- 1940م)
نشر معظم كتاباته النثرية والشعرية في الصحافة المحلية. وكان من آخرها محاضرته في جمعية
الإسعاف الخيري بمكة المكرمة يوم الأربعاء 29/12/1358هـ الموافق 7/2/1940م بعنوان "الرجولة عماد الخلق الفاضل"،
وما تلاه من مقالات تعقيبية إثرها. وبعد ذلك غادر المملكة؛ ليعمل في إدارة البعثات
السعودية بالقاهرة. وتوفي هناك عام 1971م.
تعليقات
إرسال تعليق