في تأبين الطيب عبدالرحمن الطيب الأنصاري
كان للمرحوم الأنصاري [١٩٣٥-٢٠٢٣] الدور الأكبر في إبراز الجوانب الحضارية للعمق التاريخي لوسط الجزيرة العربية، وتحديدًا في إشرافه على الأعمال التنقيبية عام ١٩٧٢ على أطلال "قرية الفاو" عاصمة "مملكة كندة الأولى" على أطراف الربع الخالي.
هذا الكشف التاريخي لقرية الفاو، التي أشار إليها موظفو شركة أرامكو نهاية الأربعينيات، كان تأكيدًا للعمق التاريخي لأرض المملكة العربية السعودية؛ ففي ربوعها وبطون رمالها الفيحاء تقبع آثار حضارات بشرية، قدَّمت للعالم عطاءات معرفية، بوصفها موطنًا لحضارات الممالك العربية القديمة، وغيرها من الحضارات المتعاقبة في الجزيرة العربية منذ الألف الأولى قبل الميلاد وحتى ظهور الإسلام مطلع القرن السابع الميلادي.
قبل هذا الكشف، لم تعرف الفاو في التاريخ إلا بكونها "قرية بها آبار عادية وكنيسة منحوتة في الصخر" كما يقول الهمداني. فيما أسفرت بعثات التنقيب التي أشرف عليها الأنصاري حتى عام ١٩٩٥م عن (٢٠) ألف قطعة أثرية، قدَّمت بالفعل "صورة للحضارة العربية قبل الإسلام بالمملكة العربية السعودية".
في أول كتاب (نوعي) تصدره "إدارة الآثار والمتاحف" بوزارة المعارف عام ١٩٧٥م، أشارت إلى الأنصاري بكونه "يعتبر بحق أحد رواد التنقيب الأثري العلمي بالمملكة". وطوال نحو نصف قرن أثرى الأنصاري المجال التنقيبي والآثاري بأبحاثه العلمية الرصينية، وصموده في وجه القوى التقليدية المناوئه.
وحسبي عزاءًا لنفسي أني كنت حتى الساعات الأخيرة من وفاته، أُفيد من أبحاثه وكتاباته في استكناه الجوانب الدينية والأخلاقية في حضارات الممالك العربية القديمة.
سلامٌ على روحه الطيبة يوم ولد، ويوم مات، ويوم يبعث حيًا.
"من أنباء الخارج تفوق الطالب عبدالرحمن الأنصاري بالسنة النهائية من كلية الآداب [بالقاهرة].